تصفح موسوعة قصة الحضارة

تصفح موسوعة قصة الحضارة
قصة الحضارة


الأحد، 15 يونيو 2014

رسائل همنغوَي..الحياة و السيرة الأدبية




ترجمة / عادل العامل
المصدر : جريدة المدى 
تُعد رسائل أرنست همنغوَي من صيف عام 1925 و خريفه أمراً مثيراً بوجه خاص. فهو يقول للناشرة الأميركية سلفيا بيتش في شهر آب : " لقد كتبتُ ستة فصول من رواية و أنا ماضٍ في الوصول إلى 15,000 كلمة الآن. " و بعد أسبوعين، يعلن في رسالة إلى الشاعر أزرا باوند، قائلاً : " المكتوب الآن 48,000 كلمة. ...


و إذا لم يعرقل الرواية شيء، فإن 8 ملايين نسخة منها سيباع. " و نجده يقول لجين هيب بعد أيام قليلة : " اللعنة، إنها رواية رائعة. لقد كُتبت ببساطة و هي زاخرة بأشياء تحدث و أناس و أماكن، و مثيرة كالجحيم و ليست مادة رواية سيرة ذاتية. " ثم يقول في رسالة لأبيه بابتهاج المنتصر : " لقد أكملتُ روايتي ــ 85,000 كلمة ــ و أنا الآن متعَب من الداخل و الخارج "، كما جاء في عرض جوشو كوتين هذا.
و يشكل الحديث المتعلق بإكمال ( الشمس تشرق أيضاً )، رواية همنغوَي الأولى، الجزء الأخير من المجلد الثاني من رسائله، الذي يجمع مراسلاته من عام 1923 إلى 1925. ( و يتضمن المجلد الأول، المنشور في عام 2011، رسائل من 1907 إلى 1922. ) و توثّق هذه الرسائل لتطوره ككاتب، و لحياته في باريس و تورنتو ( حيث اشتغل مراسلاً لصحيفة Toronto Star )، و أسفاره عبر أوروبا، و زواجه من هادلي ريشاردسون، و ولادة ابنهما، و صداقاته و شجاراته مع باوند، و غيرترود شتاين، و فورد مادوكسفورد، و شيروود أندرسون، و ف. فيتزجيرالد، و آخرين كثيرين. و تمثّل الرسائل صورة للزمن الواقعي من كتابه ( وليمة متنقلة A Moveable Feast )، تجمع بين رومانسية المذكرات و الوصف الاغتيابي لحياة مغتربة مع إحساس قوي بعدم الاستقرار. و يصف همنغوَي حياته هنا ككاتب مكافح من دون معرفةٍ منه بنجاحه المستقبلي.
و يبدأ المجلد في عام 1923، مع همنغوَي في سن 23 عاماً، و هو يقضي الشتاء في سويسرا مع هادلي. و يعودان إلى باريس في أيار، و يرحل هو مباشرة إلى إسبانيا ليرى مصارعات الثيران لأول مرة. فيكتب إلى صديقه وليام د. هورن قائلاً : " إنها ليست بالأمر الوحشي على وجه الدقة كما قيل لي دائماً. إنها تراجيديا عظيمة ــ و أجمل شيء رأيته على الإطلاق ... إنها تشبه الجلوس في مقعد جانبي في الحرب من دون أن يحدث لك شيء. " و ستهيمن مصارعات الثيران على رسائله للسنتين التاليتين. و في عام 1924، يقول لباوند أن حلبة مصارعة الثيران " هي المكان المتبقي الوحيد الذي تتوحد فيه البسالة و الفن من أجل النجاح. ... "
و في صيف 1923، في محاولة منه لادخار النقود، ينتقل إلى تورنتو مع هادلي، الحامل في الشهر السابع آنذاك. و يقول في رسالة إلى إيزابيل سيمونس، صديقة طفولته، إنه يكره مغادرة باريس إلى تورنتو مدينة الكنائس. و في باريس، يركز على الوقت الكامل لمهنته الأدبية. و تبدأ رسائله بتوضيح أحداث بارزة في تاريخ الحداثة : نشر مجموعته القصصية ( في زمننا )؛ وعمله لمجلة ترانزاتلانتك ريفيو؛ و إنتاج العدد الأول من This Quarter، و أمور أخرى.
إن صورة همنغوَي التي تظهر من الرسائل صورة مألوفة. فهو طموح و واثق، مفعم بالحيوية وشعبي، منضبط و موهوب. و أكبر مفاجأة هي تكييفه صوته بخبرة لإرضاء توقعات ( و أهواء ) جمهوره. و عدا بعض الإشارات المتضاربة المعبرة، في رسائله، عن شيء من الاستخفاف الشوفيني و العنصري ، فإن كتابة همنغوَي تؤكد نوعاً ما إحساسه الشهير بالأصالة. فالاهتمام الأول في رسائله ينصب دائماً على الفن. و يأتي الأصدقاء و الأسرة في مقامٍ أقل أهميةً. فحين يتوقف شتاين عن مراجعة كتابه ( في زمننا )، يُنهي همنغوَي صداقتهما. و عندما يكتب أندرسون رواية رديئة، يهزأ منه بقسوة. و كان هذفه المفضّل في السخرية صديقه فورد. والشخص الوحيد الذي يبقى سليماً منه هو باوند ــ ربما لأنه مخلص على نحوٍ أشد تعصباً للفن.
و معظم الرسائل مكتوبة بعجلة و غير مشذَّبة. و مع هذا، تحتوي على شيء من أكثر كتابات همنغوي شداً للانتباه. و إليكم منها :
• " إنني أحاول في كل قصصي أن أعبّر عن الشعور بالحياة الفعلية من خلال ــ لا وصف الحياة فقط ــ أو نقدها ــ و إنما جعلها فعلياً متدفقة بالحركة و النشاط. "
• " المسألة ليس أن يكون لك عشيقة بقدر أن تكون لك علاقة حب. يجب أن يكون الحب باتجاهين أو أن المشهد لا يكون جيداً. "
• " قدوم الشتاء يشبه بطلة من بطلات جيمس جويس. "
• و تتّسم الرسائلة المكتوبة إلى أزرا باوند بالفتنة على وجه الخصوص ــ بالرغم من خبثها، و أو ربما، بسببٍ من ذلك. فهو يقول لباوند في إحداها :" إنك تمضي قُدماً و تتعلم كل شيء. أنا لا أستطيع. إنني محدود. لكنني سوف أقوم بتعلم أشياء عن الجماع و الكفاح و الأكل و الشرب و الاستجداء و السرقة و العيش و الموت. " و تحيط هذه الجملة بالشكل و المضمون الذي ينطوي عليه أفضل نتاج لهمنغوَي.
فهل يغيّر الكتاب بشكل أساسي من فهمنا لهمنغوَي أو فنه أو الحداثة أو الأدب الأميركي؟ حين قرأت المجلد للمرة الأولى، ظننتُ أنه يمكن أن يقدم وجهة نظر جديدة بصورة راديكالية عن الفترة الأكثر أهميةً من مسيرة همنغوي الأدبية ــ و إحدى الفترات الأكثر أهمية في التاريخ الأدبي و الثقافة الأميركية : باريس في العشرينات. لكن الجواب لا. فبالإضافة إلى التبصّر في إنشاء همنغوَي لأصالته، تُكمل الرسائل، أكثر مما تنقّح ، الميثولوجيات التي هذَّبتها و حللتها منتجات لا تعد و لا تحصى ــ روايات، و مذكرات، و أفلام، و كتب سيرة حياة، و بالطبع كتابة همنغوي ذاتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن / Los Angeles



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق