تصفح موسوعة قصة الحضارة

تصفح موسوعة قصة الحضارة
قصة الحضارة


الأحد، 15 يونيو 2014

بمناسبة الاحتفالات بمرور 200 عام على ميلاده..ليرمونتوف:بطل من ذلك الزمان


موسكو/ د.فالح الحمراني
المصدر : جريدة المدى 
تقاسم أبطاله، كما فاح من أجواء أشعاره، الشعور بالإحباط والخيبة والاستياء من الاضطهاد السياسي وغياب العدالة الاجتماعية، وغمرهم شعور الغربة عن مجتمعهم، وكأن لا حل لمعضلة الإنسان وهمومه وللخروج من المشاكل الاجتماعية التي خيمت على ذلك العصر الذي عاشه ليرمنتوف ( 1814 – 1841 ) . ان ميخائيل ليرمونتوف يدين أؤلئك الأبطال الذين يحتجون على عصرهم، ولكنهم يكتفون بالعزلة ويقفون بعيدا ويقيمون أسوار حولهم ويتلذذون بمعاناتهم.


ان بيتشورين بطل رواية "بطل من هذا الزمان " التي ظهرت باللغة العربية بترجمة أمير المترجمين العرب سامي الدروبي هو واحد من أولئك "الأبطال" أو بالأحرى كما قال ليرمونتوف نفسه إن "بطل عصرنا" ليست صورة لرجل واحد، بل صورة تضم رذائل جيلنا كله. وإذا قال أحد إن الأخلاق لن تجني من ذلك خيرا، فلا تتعجلوا، فطالما أُطعم الناس بالحلوى حتى فسدت معدهم. ويجب عليهم الآن أن يتناولوا العقاقير المرة، وأن يتقبلوا الحقائق اللاذعة.. لقد أردت على سبيل التفكه أن أرسم صورة لإنسان هذا العصر كما فهمته، وكما رأيته في أغلب الأحيان. ونفى ليرمنتوف ان يكون بيتشورين نسخة منه أو انه يسرد سيرة ذاتية، انه شخصية فنية ونمطية لجيل كامل خيب آمال ليرمنتوف. انه ثمرة عصر ومجتمع وثقافة في ذلك الزمن الذي عاش به ليرمونتوف.
ودفعت رواية "بطل من هذا الزمان" التي كتبها ليرمونتوف وله 25 عاما، مؤلفها إلى صف الخالدين وترجمت لكافة لغات العالم وغدت جزءا من منجزات الثقافة البشرية لأن القضايا التي تناولتها هي قضايا كل العصور والأمم. وهو الذي قال عنه ليف تولستوي صاحب الحرب والسلام وانا كارينيننا ..." لو ان هذا الفتي ( قتل في مبارزات في عمر باكر) ظل يعيش لم تكن حاجة بنا، لا بي ولا بدستويفسكي". ومثلت الرواية التي انسجمت فيها مختلف أساليب السرد نقلة نوعية بالرواية الروسية التي طلقت الرومانسية وتبنت الواقعية كأسلوب اكثر مصادقية لتصوير دقائق المجتمع البشري وتناقضاته وصراعاته المريرة والعقيمة في الكثير من احيان.
ولايمكن ان نعزل بيتشورين نهائيا عن صانعه. فليرمونتوف ايضا من أسرة نبلاء ونال حظا وافيا من التعليم وتنقل بين المعاهد واختار مثل أبناء جيله من أبناء العوائل النيلة ان يكون ضابطا في الجيش، وخدم كبيتشورين في القوقاز وعشق جمال طبيعته وتبرم بالمجتمع الراقي وعاداته وتقاليده وزيفه، وشارك كبيتشورين في عدة مبارزات وراح ضحية واحد منها، وهو في ذروته شبابه ونضجه الإبداعي، ففقدت روسيا فيه عبقريا . وقال الناقد الأدبي الروسي الكبير فييساريون بيلينسكي بعد ان سمع بنبأ مقتل الشاعر ليرمونتوف: "نستقبل طبعة جديدة لرواية "بطل زماننا" بدموع حارة على خسارة الأدب الروسي بموت ليرمنتوف".
ان بيتشرون هو البطل الضد. البطل الذي لا يجترح المآثر في سبيل قضيته او قناعاته، وعاجز عن التفكير في سبيل إحداث الانقلاب على الوضع الاجتماعي الذي يعاني منه. انه يكتفي في الرفض الصامت. الرفض الفكري لواقعه، لواقع المجتمع وبنية النظام السياسي.وهو في الوقت نفسه شخصية مترعة بالمواهب ذات عقل تحليلي يتيح له بدقة الحكم على الآخرين وعلى الحياة ورصد عيوب ورذائل ونقائص مجتمعه ويقف منه موقفا سلبيا حادا. ان بيتشورين يتفوق على مجتمعه الذي ينظر اليه كما ينظر الى أبطال ليرمونتوف الآخرين على انهم "شخصيات غريبة الأطوار" وبيتشرون الى ذلك يمتلك قلبا دافئا قادر على الانفعالات العميقة والمعاناة القوية. ويظهر ليرمينتوف بتحليل سايكولوجي صادق ما يدور في دخيلة بيتشورين من صراع بين المشاعر الأصيلة التي تولد في أعماق روحه واللامبالاة والجفاف والخشونة والجفاء، التي تطبع عليها. علاوة على تمزق الشخصية وغياب الهدف.
ان ليرمنتوف يقيم بطله من موقع ثوروية النبلاء الروس في ثلاثينات القرن التاسع عشر، في مرحلة جديدة من تطورها. وفيما يتمكن ليرمنتوف من استدعاء التعاطف مع طبيعة البطل الموهوبة والنبيلة التي حافظت على احتجاجها على المظالم الاجتماعية، فانه دان في الوقت نفسه "بطل الزمان" لعجزه عن النضال الاجتماعي، وعلى نشاطه الفارغ والعقيم وفرديته الأنانية .
ان ليرمنتوف هو البطل الحقيقي من ذلك" الزمان" . واتخذ من النشاط الأدبي والفكري المتنوع حيث كتب الشعر والملامح والروايات، فعلا ووسيلة للكفاح من اجل روسيا الحرة المتحضرة. وكانت أعماله الأدبية بمثابة " بيانات" لاستنهاض روح الشعب للنهوض والقيام بفعل التغيير المنشود لتكون الحية افضل، الذي عجز جيل بيتشورين عن تحقيقه


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق